written by Mohamed Fathy
أين تقع مقبرة الملكة نفرتيتي؟
كَشَف مسحٌ راداريّ أُجري حول مقبرة الملك توت عنخ آمون في وادي الملوك بمصر عن أدلّة ترجِّح وجود مزيدٍ من الحجرات الكامنة خلف جدران المقبرة.
النتائج الواردة في تقرير غير منشور، أُطلِعَت دورية Nature على تفاصيلِه، تبعث من جديد نظرية خلافية، تقول إنّ موقع دفن الملك الصغير يخبِّئ وراءه مقبرة أكبر، ربما ترقد فيها الملكة المصرية الغامضة نفرتيتي.
وقد استخدم باحثون، بقيادة عالِم الآثار ممدوح الدماطي، الذي عمل وزيرًا سابقًا للآثار، الرادار المخترِق للأرض (GPR)؛ لمسح المنطقة التي تحيط مباشرة بمقبرة توت عنخ آمون. وذكروا في تقريرهم أنهم اكتشفوا مساحة تشبه الممر، لم تكن معروفة من قبل، تقع على بعد أمتار قليلة من حجرة الدفن (انظر الشكل: «حجرة الأسرار»). وقُدِّمت النتائج التي توصّل إليها الباحثون إلى المجلس الأعلى للآثار في مصر، في وقت سابق من شهر فبراير الجاري.
وفي ذلك الصدد.. يقول راي جونسون، عالِم المصريات من معهد الدراسات الشرقية -التابع لجامعة شيكاجو- بمدينة الأقصر المصرية، الذي لم يشارِك في إجراء البحث: "لا شك أن شيئًا ما موجودٌ على الجانب الآخَر من الجدار الشمالي لغرفة الدفن".
وقد سبق أنْ تَقَصَّت عدة فِرَق بحثية احتمالية وجود حجرات إضافية وراء مقبرة توت عنخ آمون، وكثيرًا ما كانت عمليات البحث تُجرى بالتعاون مع شركات خاصّة، بيد أن تلك التحقيقات تمخّضت عن نتائج متضاربة، ورفض كثير من الباحثين تلك الفكرة؛ فعلى سبيل المثال.. أَصَرَّ فرانشيسكو بورشيلي -عالِم الفيزياء في جامعة العلوم التطبيقية، الواقعة بمدينة تورينو الإيطالية، الذي قاد عملية مسح باستخدام الرادار المخترِق للأرض داخل المقبرة في عام 2017- على أن بياناته تستبعد وجود حجرات غير مُكتشَفة تتصل بالمقبرة.
ملكة مصر المفقودة
كان فريق الدماطي يتحقق من صحة نظرية، مفادها أن مقبرة الملك توت عنخ آمون، التي اكتُشِفت في عام 1922، وكانت صغيرة الحجم على نحوٍ غير معتاد بالنسبة إلى مقبرةٍ مَلَكية، تحتوي أيضًا على غرف شاسعة غير مكتشَفة، بل وربما تضم المثوى الأخير للملكة نفرتيتي، الذي يبحث عنه علماء الآثار. ويَعتقِد بعض علماء المصريات أنه قبل فترة حُكْم الملك توت عنخ آمون مباشرةً في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حكمت نفرتيتي –التي تزوّجت ابنتها من توت عنخ آمون– البلادَ بوصفها فرعونًا، وإنْ لم يدم ذلك إلا لفترة قصيرة. ولم يُعثر قط على مقبرتها في وادي الملوك.
واستطاع الفريق رصد وجود ممر طويل في هيكل المقبرة الأساسي، على بعد أمتار قليلة في اتجاه الشرق، وعلى العمق نفسه الذي توجد فيه حجرة دفن الملك توت عنخ آمون، ويمتدّ هذا الممر بالتوازي مع ممر مدخل المقبرة. ويبدو أن ارتفاعه يبلغ قرابة المترين، ولا يقل طوله عن عشرة أمتار.
وليس من المؤكّد بعد ما إذا كان ذلك الحيز الفراغي متّصل فِعليًّا بمقبرة الملك توت عنخ آمون، التي تُعرف بمقبرة KV62، أم أنه جزء من مقبرة أخرى تقع بالقرب من قبر الملك. ويحاجِج الباحثون بأنّ موضع ذلك الحيز الفراغي، المتعامد على المحور الرئيس لمقبرة KV62، يُرجّح وجود اتصال، لأنّ المقابر غير المتّصلة ببعضها عادة ما تكون صفوفها بزوايا مختلفة.
غير أن تلك الفرضية لم تُقْنِع الجميع؛ إذ يقول زاهي حوّاس -وهو أيضًا وزير آثار مصري سابق- إنّ استخدام التقنيات الجيوفيزيائية للبحث عن المقابر في مصر سبق أنْ أَجَّج آمالًا زائفة، مُحاجِجًا بأنه ينبغي عدم المضيّ قدمًا في هذا الاتجاه من البحث، زاعمًا بأن "استخدام الرادار المخترِق للأرض لم يثمر عن أي اكتشاف في أي موقعٍ بمصر". وجدير بالذكر أن حوّاس نفسه يبحث حاليًّا عن مقابر جديدة، من بينها مقبرة الملكة نفرتيتي، ولكنّه ينتهج طُرُقًا أكثر تقليديةً. وقد صرّح في حديث أجراه مع دورية Nature في عام 2019 بأنه أجرى عمليات تنقيب في المنطقة التي تقع شمال مقبرة KV62؛ بحثًا عن مداخل للمقبرة، لكنّه لم يعثر على شيء.
تاريخ مثير للجدل
المسح الراداري هو الأحدث في سلسلة من عمليات البحث الساعية للتحقق مما إذا كانت في الموقع حجرات دفن إضافية، أم لا. وقد أثار هذا المسح الكثير من الخلاف، والنتائج المتضاربة، على حد سواء. فمِن ناحية، يرى نيكولاس ريفز -عالِم المصريات البريطاني، الذي أمضى سنوات عمل كثيرة في وادي الملوك- أن البيانات الجديدة مثيرة للاهتمام، لكنّ ذلك المَعْلم المُكتشَف مؤخرًا ليس في المكان الذي كان يتوقّعه، إذ افترض سابقًا أنّ الحجرات غير المكتشَفة، التي يُحتمل وجودها، ستمتد إلى شَمال مقبرة توت، وليس إلى يمينها، حسبما ترجِّح البيانات. ورغم ذلك.. فإن ريفز، الذي كان أوّل مَن أشار إلى فكرة وجود امتدادٍ للمقبرة KV62، ما زال يعتقد أنه سيتسنّى العثور على نفرتيتي في مكانٍ ما بداخل المقبرة.
وفي ورقة بحثية صدرت خلال عام 2015، أبلغ ريفز عن عثوره على خطوط مستقيمةٍ وشقوقٍ في الجدران المزدانة برسوم في حجرة دفن الملك توت عنخ آمون. ورأى أنّ هذا من شأنه أنْ يدل على وجود مداخل خفية. وزعم الباحث تحديدًا أن الجدار الواقع في أقصى شمال حجرة دفن الملك ليس من حَجَر أساس المقبرة الصلب، مثلما كان مُتصوّرًا في السابق، بل إنه جدار زائف، مِن نوع الجدران التي اعتاد بناة المقابر المصرية القديمة استخدامها؛ لإخفاء حجرات أخرى وراءها. ومن خلال الإشارات الموجودة في رسوم جدران المقبرة، استنتج ريفز أن هناك جثمانًا آخر يرقد في مكان خفِيّ في المقبرة، وأنّ هذا الجثمان لنفرتيتي.
في أعقاب هذا التقرير، أشرف الدماطي -بصفته وزيرًا للآثار آنذاك- على اثنتين من عمليات مسح الرادار المخترِق للأرض، التي أُجريت على جدران المقبرة؛ إحداهما أجراها فريق من اليابان، وبدا أنه يؤكّد وجود حجرات غير مكتشَفة، فيما أخفق الفريق الثاني، الذي أرسلته شركة الإعلام الأمريكية «ناشونال جيوجرافيك» National Geographic في الوصول إلى النتائج نفسها.
أُزيح الدماطي من منصبه كوزير للآثار في عام 2016. وفي العام التالي، وَجَّه خليفته بالمنصب الدعوةَ إلى فريقين آخرين؛ لمسح المنطقة الواقعة حول مقبرة KV62، أملًا في حسم الجدل القائم، لكنّ الخلافات استمرّت، إذ زعم فريق منهما، عمل بقيادة بورشيلي داخل المقبرة، أنه من المستبعَد وجود حجراتٍ غير مكتشَفة خلف جدران المقبرة 1KV62، فيما طلب المجلس الأعلى للآثار (SCA) من الفريق الثاني، التابع لشركة مسح جيوفيزيائي تسمَّى «تيرافيجن إكسبلوريشن» Terravision Exploration، ومقرها ويست موليزي في بريطانيا، أن يختصر الفريقُ الوقتَ المخصص لعمليات المسح.
ورغم ذلك.. فإن النتائج الأوّلية لعمليات المسح التي أجرتها شركة «تيرافيجن» -وهي عمليات أُجريت أيضًا من داخل المقبرة- تشير إلى وجود المزيد الذي يمكن اكتشافه. ولهذا.. فإن الدماطي، الذي يعمل حاليًّا بجامعة عين شمس في القاهرة، أصرّ على استكمال عمليات البحث عبر مسح المنطقة خارج المقبرة، مُعلِّقًا بقوله: "أنا لا أستسلم بسهولة". وقد وافق المجلس الأعلى للآثار على طلب جديد بإجراء عمليات مسح في الموقع. وفي يونيو عام 2019، عاد الدماطي وشركة «تيرافيجن» بصحبة فريق من المهندسين من جامعة عين شمس؛ لإنهاء المهمة البحثية.
ومع ذلك، فإن التشويش الذي تتسبب فيه وحدات تكييف الهواء، التي توجد بالقرب من موقع المسح، تَسَبَّب في عجز الفريق عن جمْع بيانات حاسمة بشأن المنطقة بالغة الأهمية، التي تقع إلى الشمال مباشرةً من حجرة دفن الملك توت عنخ آمون.
ويخطط الدماطي للتقدّم بمقترح للعودة، ودراسة الموقع بمزيد من التفصيل، لكنْ حسبما يقول تشارلي ويليامز، الرئيس التنفيذي لشركة «تيرافيجن»، فإنه سيكون من الصعب إجراء عمليات المسح بالقرب من حجرة الدفن، دون إزالة وحدات تكييف الهواء، إلا أنه واثق من أنه سيتمكّن من تحديد شكل هذا الحيز الفراغي وموقعه مِن على بُعْد سنتيمترات قليلة، ومعرفة ما يؤدّي إليه باستخدام هوائي مختلف، وبالجمع بين القراءات التي يحصل عليها.
مقبرة سليمة تمامًا
لاقت تلك النتائج حماسًا من علماء مصريات آخرين؛ حيث لا يَستبعِد جونسون إمكانية العثور على جثمان الملكة نفرتيتي في هذا الحيِّز الفراغي الغامض، لكنْ إذا تَبَيَّن أن تلك الحجرة تخصّ مقبرة مختلفة لم تُكتشَف بعد، فإنّ جونسون يقترح أنها قد تحتوي على جثمان عنخ إسن آمون، زوجة الملك توت عنخ آمون، التي لم يُستدَلّ على مقبرتها.
أمّا إيدان دودسون، عالِم المصريات بجامعة بريستول بالمملكة المتحدة، فيساوره الشك في أطروحات ريفز بشأن نفرتيتي، إلا أنه يدعم نظرية وجود مقبرة ثانية؛ زاعِمًا أنها ربما تضم رفات أميرات من عهد توت عنخ آمون. وبغضّ النظر عمّن بداخل هذه المقبرة، يقول دودسون إنّ هذا الاكتشاف ربما يكون "بالغ الأهمّية على نحو مذهل"، لأنّ هذا الجزء من الوادي سَدَّتْه طبقةٌ من مخلّفات فيضان قديم، هي نفسها التي حَمَت مقبرة KV62 من ناهبي القبور لآلاف السنين. وفيما يتعلق بالمقبرة التي يُحتمل وجودها، يضيف قائلًا: "من المؤكد أنها لم تُمَسّ".
ويَعقِد ريفز آمالًا كبيرة هو أيضًا في هذا الصدد، إذ يقول: "إذا دُفنت نفرتيتي كما دُفِن الملوك الفراعنة، فإنّ هذا قد يكون أكبر اكتشاف أثري على الإطلاق". ويرجِّح أنه إذا استمرّت الأدلة في التتابع، فسيتعيّن عَقْد مؤتمر دولي يحضره الخبراء؛ للنظر في الخطوات التالية. ويضيف أنه لا يجب التعجّل فيما يتعلق بأيّ عملية تنقيب تنطوي على مساس مادّي بالمقبرة، لأن عملية الحفر في هيكل المقبرة الأساسي ستكون بالغة الصعوبة، كما أن الحفر في الجدار الشمالي لحجرة الدفن قد يدمِّر ما تحمله هذه الجدران مِن فَنٍّ لا يُقَدَّر بثمن.
وجدير بالذكر أن المجلس الأعلى للآثار في مصر لم يستجب لطلب التعليق الذي تقدّمت به دورية Nature.
إرسال تعليق