فضل الحضارة المصرية القديمةعلى حضارات العالم القديم
توافرت لمصر كل المقومات التي يمكن أن تؤدي إلى قيام حضارة ناجحة، فهي تتمتع بموقع متميز عند ملتقى ثلاث قارات هي أسيا وأفريقيا وأوروبا، ويمر عبر أراضيها نهر النيل العظيم الذي قامت على شاطئيه الحضارة. وتوافرت لمصر أيضاً الحدود الطبيعية الآمنة، فصحراءٌ في الشرق والغرب، وجنادل تعترض مجرى مياه النيل في الجنوب، والبحر المتوسط في الشمال، وهي حدود حققت لها قدراً لا بأس به من الأمن والاستقرار.
وتمتعت مصر بميزة سهولة الاتصال بين أجزائها المختلفة، ومرجع ذلك عدم وعورة أراضيها، وعدم وجود سلاسل جبلية تقف حائلاً أمام ذلك، وتمتعت بمناخ مستقر إلى حد كبير، هيأ للإنسان المصري فرصة لأداء عمله في ظل ظروف مناخية مناسبة.
وتمتعت مصر بميزة سهولة الاتصال بين أجزائها المختلفة، ومرجع ذلك عدم وعورة أراضيها، وعدم وجود سلاسل جبلية تقف حائلاً أمام ذلك، وتمتعت بمناخ مستقر إلى حد كبير، هيأ للإنسان المصري فرصة لأداء عمله في ظل ظروف مناخية مناسبة.
ثم هناك الإنسان المصري الذي كان مؤهلاً للنهوض بعبء هذه الحضارة، والذي تفاعل مع كل المقومات السابقة، فنتج عن هذا التفاعل ذلك الإبداع الحضاري المتميز. وكان الإنسان المصري القديم واثقاً من قدراته على الريادة، ولهذا أطلق على نفسه: "شعب السماء"، أو "شعب النيل"، وهو الشعب الذي خلق من دمع العين، وكل ما عداه من شعوب الأرض خلقت من سائل مهين.
شعب يمتلك كل هذه المقومات، مقومات البناء المادي والمعنوي، كان لابد أن تأتي إبداعاته على مستوى ما تهيأ له من مقومات.
إن الحضارة المصرية منذ أن استوطن الإنسان أرض مصر (في الألف الخامس قبل الميلاد وطوال العصر الفرعوني). قد حققت تقدماً كبيراً في العديد من مجالات الحياة، فأفادت به الكثير من الحضارات المعاصرة، والتي سلمته بدورها للحضارات التي أعقبتها، وهو ما يمكن تتبعه في بعض الجوانب، حتي في حضارة العصر الحديث.
وإذا كانت الحضارة الغربية تدين بالفضل فيما وصلت إليه للحضارة اليونانية، وقلما يسألون أنفسهم عن نشأة الحضارة اليونانية وتطورها، وعن صلتها بالحضارة المصرية، ومدى تأثرها بها.
ورغم أنه لا يمكن للإنسان أن ينكر فضل الحضارة اليونانية في مجالات الفلسفة والطب والفلك والرياضة وكافة فروع الفن، فإنه في نفس الوقت لا يمكن أن نتجاهل اعتراف العديد من العلماء اليونانيين بفضل حضارة مصر وغيرها من حضارات الشرق الأدنى القديم عليهم، فقد درس بعضهم في مصر، وتعلموا الكثير من علمائها في مجالات العلوم والفنون، وقد يتساءل البعض عما إذا كانت الحضارة المصرية القديمة هي أقدم حضارات العالم القديم، أم أن هناك حضارات سبقت أو بدأت في نفس الوقت.
الواقع أن التعريف المحدد لكلمة حضارة سوف يساعد بلا شك على الإجابة عن هذا التساؤل. فإذا كان المقصود بالحضارة مظاهر التقدم التي حققها الإنسان في حياته، فليس من شك في أن الإنسان قد نجح في تحقيق ذلك في العديد من بقاع الأرض في وقت واحد، غير أنه لم يستمر بها ويدفعها للأمام ويطور من نفسه، ويحقق المزيد من الإبداعات كما فعلت الحضارة القديمة.
فالحضارة المصرية مع أنها أقدم الحضارات، إلا أنها في نفس الوقت أكثر الحضارات عراقة وأصالة دواماً وتأثيراً على الحضارات المعاصرة واللاحقة. ورغم هذه الريادة والتأثير الواضح على الحضارات الأخري، إلا أن المرء لا يستطيع أن ينكر فضل الحضارات الأخري في عصور لاحقة، كحضارات البابليين والآشوريين في بلاد النهرين، وحضارة الفينيقيين في سوريا، والحضارة الفارسية في بلاد فارس، والحضارتين اليونانية والرومانية في بلاد اليونان والرومان.
وعندما نلقي نظرة على بعض الجوانب الحضارية، فإننا نتأكد من مدى ريادة وعمق تأثير الحضارة المصرية، فالكتابة مثلاً توصلت إليها مصر حوالي عام 3500 قبل الميلاد، حيث ظهرت الكتابة الهيروغليفية، ثم الكتابة الهيراطيقية، ثم الخط الديموطيقي، ثم الخط القبطي، وذلك قبل غيرها من حضارات العالم القديم.
وعندما نلقي نظرة على بعض الجوانب الحضارية، فإننا نتأكد من مدى ريادة وعمق تأثير الحضارة المصرية، فالكتابة مثلاً توصلت إليها مصر حوالي عام 3500 قبل الميلاد، حيث ظهرت الكتابة الهيروغليفية، ثم الكتابة الهيراطيقية، ثم الخط الديموطيقي، ثم الخط القبطي، وذلك قبل غيرها من حضارات العالم القديم.
وإذا كانت مصر لم تعرف الأبجدية الكاملة، حيث قام بناؤها الصوتي على أساس علامات ذات حرف واحد، وأخرى ذات حرفين، وثالثة ذات ثلاثة حروف، وإذا كان الفينيقيون في سوريا هم أول الشعوب التي عرفت الأبجدية الكاملة، فإنهم قد تأثروا في ذلك بالأبجدية السينائية (نسبة إلى شبه جزيرة سيناء)، والتي كشف عن علاماتها في صخور جبل المغارة، وسرابيط الخادم في جنوب سيناء. ومن الأبجدية الفينيقية اشتقت الأبجديتان اليونانية واللاتينية، واللتان اشتقت منهما الأبجديات الأوروبية الحديثة.
وفي مجال مواد الكتابة، فقد نجح المصريون في صناعة الورق قبل غيرهم من نبات البردي، وهو نبات مثلث الساق كان ينمو في الأحراش والمستنقعات، وعلى ضفتي النيل وشواطئ البحيرات.
وفي مجال مواد الكتابة، فقد نجح المصريون في صناعة الورق قبل غيرهم من نبات البردي، وهو نبات مثلث الساق كان ينمو في الأحراش والمستنقعات، وعلى ضفتي النيل وشواطئ البحيرات.
وظل ورق البردي مستخدماً طوال العصر الفرعوني، وفي العصرين اليوناني والروماني، واستورده من مصر اليونان والرومان، وكان يصدر لبلاد الشرق عن طريق أحد موانئ البحر المتوسط (وهو ميناء جبيل بالقرب من بيروت)، والذي عرف في النصوص اليونانية باسم "بيبلوس"، وهو اسم مشتق من الكلمة الدالة على البردي (Papyrus). وظل العرب يستخدمون ورق البردي حتي القرن العاشر حين أخذوا بالطريقة الصينية في صناعة الورق. ولا يزال ورق البردي يستخدم حالياً في مصر وخارج مصر للأغراض السياحية، وتعبيراً عن التواصل بين الماضي والحاضر.
وفي مجال الأدب (وخصوصاً أدب الحكم، والنصائح والأمثال، والأناشيد)، بلغ المصريون القدماء شأناً عظيماً حيث ترك هذا النوع من الأدب أثراً كبيراً في آسيا، فنشيد اخناتون (أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة والذي حكم في القرن 14ق.م)- هو أول فكر مصري يدعو للوحدانية التي تقوم على عبادة إله واحد هو: آتون (قرص الشمس)، ونبذ تعددية الآلهة التي كانت سائدة في مصر قبل أن يخرج اخناتون على العالم القديم بدعوته الجديدة، واختار مكاناً غير العاصمة طيبة (الأقصر حالياً)، وهذا المكان هو تل العمارنة (مركز ديرمواس، محافظة المنيا)، لكي يقيم فيه، ويدعو منه لإلهه آتون.
لقد ناجى أخناتون إلهه الجديد بنشيد رائع سجل على جدران مقبرة أحد معاونيه، وهو "آي" كبير كهنة آتون، والذي أصبح ملكاً لمصر فيما بعد. ولقد رأي الباحثون في علم الأديان المقارنة أن هناك تطابقاً يكاد يكون كاملاً بين ما ورد في النشيد وما ورد في المزمور 104 من مزامير النبي داود عليه السلام.
ولعل الفقرات التالية التي تم اختيارها من نشيد اخناتون (وهو يعدد هبات وعطايا إلهه آتون) تؤكد هذا التطابق. يقول اخناتون مخاطباً آتون:
"أنت تطلع ببهاء في أفق السماء
"أنت تطلع ببهاء في أفق السماء
يا آتون الحي يا بداية الحياة
عندما تبزغ في الأفق الشرقي
تملأ كل البلاد بجمالك
إن أشعتك تحيط بكل الأراضي التي خلقتها
وعندما تغرب في الأفق الغربي.
تصبح الأرض سوداء كما لو كان كان قد حل بها الموت
ويلف الظلام كل شيء ويعم الأرض السكون
أيها الخالق لبذرة الحياة في النساء
إنك أنت الذي يعنى بالطفل في بطن أمه
لقد خلقت الدنيا كما شئت
أنت الذي يعطي الحياة لكل البلاد الأجنبية
لقد خلقت السماء البعيدة لتشرق فيها
الناس يحيون عندما تشرق، ويموتون عندما تغرب"
هكذا كانت دعوة إخناتون بمثابة الصيحة الأولي في تاريخ البشرية التي تقترب من التوحيد الذي جاءت به الأديان السماوية.
وهناك الحكم التي صدرت عن الحكيم آمون أم أوبت، والتي كانت مصدراً لسفر الأمثال، مما يؤكد فضل المصريين على العبرانيين في تكوين جانب من ثقافتهم عندما بدأوا في القرن الثالث قبل الميلاد في كتابة بعض أجزاء من كتاب العهد القديم.
وفي مجال القصة والرواية، كانت مصر رائدة بين بلدان الشرق القديم، ولا تزال قصص "سنوهي" و "القروي الفصيح" و"نجاة الملاح" وغيرها تمثل البدايات الأولي لأدب القصة والرواية في تاريخ الأدب العالمي.
وفي مجال العلوم، خطا المصريون خطوات واسعة، ففي الطب برع المصريون في فروعة المختلفة، ونعرف من الدولة القديمة أطباء متخصصين في العيون وأمراض الباطنة والجراحة، وسجلوا تفاصيل خبرتهم في هذه الفروع في كثير من البرديات الطبية. وذاعت شهرة الأطباء المصريين طوال عصور الحضارة المصرية، فالطبيب "إيمحتب" من الأسرة الثالثة (وهو نفسه المهندس الذي خطط وأشرف على بناء مجموعة الملك زوسر في سقارة). قد نال قدسية عبر العصور، حتي أنه اعتبر إلهاً، وقارنه اليونانيون بإله الطب لديهم: "إسكلبيوس". ونعرف من خلال الوثائق المصرية القديمة ووثائق الحضارات المعاصرة أن حكام بلاد النهرين وسوريا وفارس وأسرهم كانوا يفدون إلى مصر للتداوي، كما كانوا يبعثون في طلب الأطباء المصريين لمعالجتهم وللبقاء في بلاطهم أحياناً.
وفي علم الفلك بلغ المصريون درجة كبيرة، ويكفي أن نعرف أنهم عرفوا التقويم، حيث قسموا السنة إلى 12 شهراً، وثلاثة فصول، ضم كل فصل أربعة شهور. وكان عدد أيام السنة 360 يوماًً تضاف إليها أيام النسيء الخمسة. وكان رأس السنة المصرية يوافق بدء الفيضان الذي يوافق ظهور نجم الشعرى اليمانية، والذي يحدث حوالي يوم 19 يوليو في تقويمنا الحالي.
وكان المصريون أول من اخترعوا المزولة التي تحدد ساعات النهار، والساعة المائية التي تحدد ساعات الليل. وفي مجال الهندسة والعمارة فيكفي أن يقف الإنسان أمام الهرم الأكبر ليري عبقرية المهندس المصري القديم في ضبط الزوايا وفي أسلوب البناء. وليس يخفى على أحد تأثير العمارة المصرية على العمارة في الكثير من حضارات العالم القديم.
أما في مجال الموسيقى، فالثابت أن الموسيقى المصرية قد انتشرت في ربوع آسيا، ويكفي أن نعلم أن الموسيقى اليوناني "بثاجوراس" واضع أصول النوتة الموسيقية والسلم الموسيقى - قد تعلمها مصر، وأن المهاجرين من المصريين كانوا يعلمون أصول الموسيقى والعزف على الآلات الموسيقية التي اخترعها المصري القديم، والتي انتقلت إلى الحضارات الآخرى (كالناي، والجيتار وغيرها).
وفي مجال المسرح، كانت مصر رائدة في هذا الميدان، فمنذ آلاف السنين وأسطورة أوزير تمثل على المسرح المصري القديم، وهي تعتبر بحق أقدم مسرحيات العالم القديم، وتعلم الأغريق الكثير من المصريين في هذا المجال.
أما في مجال الفن، سواء الفنون التشكيلية كالنحت والنقش والرسم، أو الفنون الصغرى كالحلي والتمائم والأختام وأدوات الحياة اليومية، فقد بلغت آفاقاً بعيدة من الإبداع، وألقت إشراقاتها آثاراً على فنون العالم القديم، فانتشرت بعض خصائص الفن المصري في بعض مناطق الشرق كالساحل الشرقي للهند وبعض جزر الملايو.
وتأثير الفن المصري القديم في فنون حضارات غرب آسيا واضح إلى حد كبير، فقد كانت سوريا وفلسطين على صلة وثيقة بمصر منذ أقدم العصور، وعلى امتداد التاريخ المصري كله. ومنذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، توطدت علاقة مصر ببلدان أخرى في الشرق الأدنى القديم، وترك الفن المصرى بصماته في هذه البلاد، كأشور وفنيقيا وفارس والأناضول، وفي الجزيرة العربية، وخصوصاً في جنوبها في حضارتي سبأ ومعين.
وفي الزراعة يمكن للمرء أن يتبين مدى ما وصل إليه المصري القديم في هذا المجال من خلال أدوات الزراعة التي تزخر بها متاحف مصر والمتاحف العالمية، والتي تأثرت بها الكثير من الحضارات الزراعية في العالم القديم.
هذا بالإضافة إلى ما اكتسبه المصري القديم من خبرة واسعة في مجال تشييد السدود، وشق القنوات، واستصلاح الأراضي، والتي استفادت منها بعض الحضارات. وفي الصناعة أبدع المصري في صناعة أدوات الحياة اليومية والملابس والعتاد والحلي والصناعات الخشبية والمعدنية والأصباغ وغيرها.
وفي مجال الديانة والعقائد المصرية القديمة، يكفي أن بعض بلدان آسيا قد تأثرت ببعض الآلهة المصرية، كما عبد بعضها في بلاد اليونان والرومان. ومن أشهر الآلهة إيزيس التي أقيمت لها المقاصير في أماكن مختلفة في بلاد اليونان والرومان.
ويعتبر الكتاب المقدس نفحة من نفحات الشرق الأدنى القديم، فبقدر ما استمد الكثير من أصوله من بلاد النهرين، إلا أنه استلهم الكثير أيضاً من ثقافة مصر التي سادت بلاد فلسطين لآلاف السنين.
وفي مجال العادات والتقاليد تركت الحضارة المصرية القديمة بعض بصماتها في أفريقيا، إذ لا تزال بعض القبائل الأفريقية تمارس عادات مصرية قديمة، بالإضافة إلى بعض الطقوس الدينية التي تتمثل في وسيلة اختبار قدرة زعيم القبيلة على الاستمرار في إدارة شئون القبيلة، وذلك بمصارعة حيوان قوى، وعندما يصرعه الزعيم يحق له الاستمرار في قيادة القبيلة. هذا الطقس يرجع بجذوره الأولى إلى عيد "سد" أو "العيد الثلاثيني"، وهو العيد الذي كان يجري في بداية التاريخ المصري بعد انقضاء ثلاثين عاما على حكم الملك، وذلك للتأكد من سلامة الحاكم جسدياً وعقلياً، وذلك بالعدو خلف ثور لمدة محدودة، وجذبه من ذيله وإسقاطه أرضاً. وقد تغيرت طقوس هذا العيد من حيث توقيت الاحتفال وأسلوبه، واصبح الملك يكتفي بتقديم القرابين للآلهة للسماح له بالاستمرار في حكم البلاد.
وفي مجال الرياضة البدنية، كانت مصر رائدة بين حضارات العالم القديم، حيث مارس المصريون رياضات كثيرة قبل غيرهم، وتشهد على ذلك المناظر المسجلة على جدران المعابد والمقابر، ولعل أشهرها مناظر المصارعة الرومانية التي سجلت على جدران مقابر بني حسن (مركز أبو قرقاص محافظة المنيا)، والتي ترجع للدولة الوسطي (القرن 20 ق.م) وقد سجل الفنان في إحدي المقابر أكثر من 200 حركة مصارعة مختلفة. وإذا كان الرياضيون قد اعتادوا قديماً وحديثاً أن تبدأ شعلة الأولمبياد من جبل أوليمبوس في بلاد اليونان، فالواجب أن تبدأ من مصر التي عرفت الرياضة قبل اليونان بمئات السنين. وأخذ تأثير الحضارة المصرية على حضارة أوروبا يزداد يوماً بعد يوم، وقد أصاب الأوربيين الانبهار بهذه الحضارة، فخرجوا علينا بما يسمى باسم "الهوس بمصر" Egyptomania، وعبروا عن ذلك الهوس والانبهار بتقليد الحضارة المصرية في عمارتهم وفنونهم وأثاثهم وملبسهم، وفي الكثير من جوانب حياتهم. ومنذ القرن السابع عشر الميلادي والحضارة المصرية تملك على الناس عقولهم. وكان الكشف عن حجر رشيد (احدي مدن محافظة البحيرة) عام 1799 على يد الحملة الفرنسية في مدينة رشيد وفك رموز الكتابة المصرية القديمة (على يد العالم الفرنسي شامبليون عام 1822) بمثابة الشرارة التي انطلق بعدها علم المصريات (Egyptology)، وهو علم دراسة الآثار المصرية، والذي أصبح يدرس في عدد كثير من جامعات العالم، مما يعد تعبيراً عن البحث في أصول الريادة الحضارية التي نبتت في أرض مصر.
وهكذا يتضح من خلال هذا العرض الموجز أن الحضارة المصرية - بحكم عمق جذورها وريادتها وطول عمرها وإبداع عقل الإنسان المصري الذي حمل عبء هذه الحضارة – قد تمكنت من أن تترك بصمات واضحة في الكثير من حضارات العالم القديم، بل ولا تزال بصماتها واضحة في إبداعات ورثة هذه الحضارات القديمة، في معظم قارات الدينا. وتظل الحضارات المعاصرة مدينة للحضارة المصرية ببعض ما أنجزت وتنجز مادياً وروحانياً. ويتزايد عشق شعوب الأرض للحضارة المصرية يوماً بعد يوم، ولا تزال الحضارة المصرية القديمة تجذب الباحثين يوما بعد يوم ينقبون ويدرسون ليتعلموا المزيد من الجوانب الإبداعية لهذه الحضارة.
وإذا كانت الحضارة المصرية القديمة قد تركت بصمات واضحة على بعض الحضارات القديمة، ومن ثم على ورثة هذه الحضارات، فإنها قد تركت بصمات أكثر وضوحاً على جوانب مختلفة من حياة المصريين، لا تزال حية بينهم حتى يومنا هذا، فالكثير من العادات الدنيوية والدينية المصرية القديمة ورثناها بدقائقها، ولا زلنا نمارسها حتي الآن.
وأسماء قرانا ومدننا التي نتداولها الآن هي أسماء مصرية قديمة، وإذا ما أنعمنا النظر في لغتنا العربية، فإننا ندرك أن عدداً كبيراً من المفردات الفصحى والعامية ترجع بأصولها إلى كلمات مصرية قديمة. وبنظرة على الأسماء التى أطلقت على بلدنا عبر العصور القديمة، يتأكد لنا أن ما ورثناه من أجدادنا كثير، ويعبر في نفس الوقت عن تواصل بين حضارة الأجداد وحضارة الأحفاد.
إرسال تعليق