لقد اهتدى المصريون قبل التقويم الشمسي إلى التقويم النيلي، أو التقويم
الذي يبدأ ببداية وصول فيضان النيل إلى منطقة معينة ذات أهمية سياسية أو
قيمة حيوية. وإذا كان المصريون قد اهتدوا إلى التأريخ بالشهور قبل عهده
(وهذا مؤكد)، فهو تاريخ اعتمد على الدورة القمرية الشهرية التي يمكن ترسيم
بدايتها ونهايتها في يسر وسهولة.
وطوال
احتفالهم بوفاء نيلهم بقدوم الفيضان، لاحظ قدماء المصريين شيئا فشيئاً أن
هذا الحدث (فجر وصول فيضانه) يقترن بظاهرة سماوية معينة بعينها، وهى
استمرار ظهور نجم "الشَّعرَى اليمانية" ذي الضوء الساطع، والذي اعتبروه
أنثى، وأطلقوا عليه اسم "سوبدة" (سوبدت). ولما استقرت هذه الظاهرة في
أذهانهم، أصبحوا يترقبونها عن قصد، وأطلقوا على هذا النجم اسم "جالبة
الفيضان".
وقد
اعتبروا خلال التاريخ المصري جميعه يومَ بدء فصل الفيضان -الذي يوافق بزوغ
نجم "الشعرَى اليمانية"، وظهوره في الفجر المبكر (حوالي 19 يوليو من
التقويم الحالي) -بمثابة أول يوم، في أول شهر، في أول فصلٍ من فصول السنة الثلاثة، وهو فصل الفيضان"آخت"، وعدّوا هذا اليوم (يوم رأس السنة).
ثم
حسب الفلكيون المصريون القدماء ما بين كل طلوعٍ صادقٍ وطلوعٍ صادقٍ آخر
للنجم "سوبدة"، فوجدوه 365 يوماً، ووجدوه يتضمن اثني عشر شهراً قمرياً،
وكسوراً لا تصل إلى نصف شهر؛ فأكملوا العدة الخاصة بكل شهر قمري ثلاثين
يوماً، وتبقت عندهم خمسة أيام احتسبوها نسيئاً وأعياداً؛ واعتبروا السنة ثلاثة فصول، وقسموها كالتالي:
- (Ax.t، آخـت)، وهو: (فصل الفيضان):ويبدأ
من منتصف شهر يوليو، وحتى منتصف نوفمبر. ويتم فيه بذر الحبوب، أي أن هناك
ربط بين كلمة "آخت" بمعنى "الأفق"، وفصل "آخت"؛ وذلك على أساس أن عملية بذر
الزرع تشبه بزوغ الشمس من الأفق. ويضم فصل "الفيضان" أربعة أشهر، أسماؤها
كما وصلتنا في القبطية هي: (تحوت، باؤفي، أتحير أو حتحور، كحوياك (كيهك).
- (prt ، ﭙـرت)، وهو (فصل خروج النبت من الأرض): وهو يوازي فصل الشتاء.ويبدأ
من منتصف شهر نوفمبر، وحتى منتصف مارس. ويظهر فيه خروج الزرع بالكامل من
الأرض، أي أنه (فصل الإنبات). ويضم فصل (بذر البذور) أربعة أشهر، أسماؤها
كما وصلتنا في القبطية هي: (طيبي، مخير، فمنوث، فرموتي.
- (Smw ، شمـو)، أي: (فصل التحاريق"، أو: فصل الصيف): ويبدأ
من منتصف شهر مارس، وحتى منتصف يوليو. ويتم فيه نضج النبات وحصاده، وتصاب
فيه الأرض بالجفاف. ويضم فصل (جـني المحصـول) أربعة أشهر، أسماؤها كما
وصلتنا في القبطية هي: (ﭙـاخونس، ﭙـيني، إﭙـيفي، مسوري.
وكان من المتوقع أن تتم هذه الخطوة البارعة في عصر نشيط نزع أهله إلى التجديد،
إلا أنه من المؤسف أن المصريين لم يسجلوا شيئاً عن مراحل هذه الخطوة في
حينها، أو في عهد آخر من عهود الدولة القديمة، أو في عهد الملك "زوسر"،
ولكنهم أرّخوا بالفصول والشهور الإثني عشرة بالفعل بعد عهد "زوسر".
غير
أن هذه الخطوة - التي يغلب أن المصريين ربطوا بينها وبين دورة الشمس، كما
ربطوا بينها وبين دورة نجم "الشِّعَرَى اليمانية"، وقسموا الشهور على
أساسها إلى اثني عشر شهراً، وسبقوا بها شعوب العالم القديم جميعاً - لم تكن
بغير نقيصة تؤخذ عليها.
والجدير
بالذكر أنه عندما قسم المصريون القدماء الشهور إلى اثني عشر شهراً - قد
سبقوا في ذلك العالم القديم كله. فهم قد احتسبوا سنتهم 365 يوماً، وليس 365
يوماً وربع يوم؛ حيث كان من شأن ربع اليوم أن يصبح يوماً كل أربع سنوات،
ويصبح شهراً كل 121 عاماً وربع عام تقريباً. وبمعنى آخر كان من شأن بداية
السنة الشمسية (أو الشعرية) أن تتأخر عن البداية الفعلية للفيضان شهراً بعد
كل 121 عاماً وربع العام، ثم لا تعود لتتفق معها إلا بعد أن يبلغ الفارق
بينهما حولاً كاملاً، بعد 1456 عاماً.
مناظر فلكية على الجزء الداخلى لتابوت سوتر
ولم
تتكرر ظاهرة الاتفاق بين البدايتين (بداية السنة، وبداية الفيضان) غير
ثلاث مرات منذ أن بدأ المصريون توقيتهم، في عام 2773 قبل الميلاد. (وهو عام
البداية)، وعام 1317 ق.م. (وهو عام تولي الملك "سيتي الأول")، ثم عام
139م. وقد سجل هذه المرة الأخيرة الكاتب الروماني (CENSORINUS)، وأثبت فيها أن النجم "سوبدة" قد ظهر في موعده.
والظاهر أن المصريين قد أدركوا هذا الفارق، ولكنهم لم يعملوا على تلافيه إلى أن أشار قرار "كانوب"(أبو قير)-الذي أصدره مجمع الكهنة المصريين عام 237 قبل الميلاد.- إلى اتجاه النية إلى إضافة يوم إلى (أيام النسيء الخمسة)؛
وذلك حتى لا تأتي أعياد الشتاء في فصل الصيف نتيجة لتغير الشمس يوماً كل
أربع سنوات، وحتى تصبح أعياد الصيف الحالية أعياداً شتوية في المستقبل كما
كانت في الماضي.
غير
أن هذا التجديد لم يستمر، ولم يعدل التقويم بصورة علمية إلا في عهد
الامبراطور الروماني "أغسطس" (عام 30 ق.م) حين ظهر (التقويم الـﭽولياني)،
وأصبح العام بمقتضاه 365 يوماً وربع.
وليس أدل على أن المصريين القدماء قد برعوا في رصد الشمس من أنه كان في مدينة "عين شمس" كاهن لمراقبة حركة الشمس يعرف باسم "ور ماءاو"، أي: (كبير الرائين). وكان من بين كهنة المعابد كهنة لمراقبة سير النجوم.
الحسابات الفلكية - من مقبرة "سننموت" في "الدير البحري"
رسم مأخوذ من الألبوم النابوليونى لزودياك إسنا الصغير
وتزخر
مقابر المصريين ومعابدهم ووثائقهم البردية بمناظر سماوية، وذلك من منطلق
أن غالبية الكائنات الدينية والجنائزية قد اعتبرت بصورة أو بأخرى كائنات
كونية. فمثلاً ربة السماء "نوت" اعتقد المصريون أنها تنشر جسدها السماوي
الممتلئ بالنجوم فوق الأرض، وبهذا يمكنها أن تحمى المعابد.
وفي (نصوص الأهرام) ما يؤكد إيمان المصريين بأن
الموتى يمكن أن يولدوا من جديد على هيئة نجوم قطبية، الأمر الذي أدى إلى
تصوير عدد من النجوم على أسقف وجدران غرف وحجرات الأهرامات التي دونت بها
نصوص الأهرامات. ومن بين تعاويذ (نصوص الأهرام) ذلك النداء الموجّه للربة
"نوت" بأن تعطي المتوفى بجسدها حتى يتمكن من أن يتبوأ مكانه بين نجوم
السماء التي لا تفنى، وبذلك يحظى بحياة أبدية.
وقد عرف المصري القديم حساب المثلثات، وتفوق في علمي الهندسة والرياضيات، واستفاد من مزج هذه العلوم بمعارفهم الفلكية، والدليل على ذلك قائم حتى الآن، ويعد من عجائب الدنيا السبع، ألا وهو (الهرم الأكبر) الذي يعتبر عملاً من الأعمال الهندسية المعجزة في التاريخ الإنساني.
والواقع أن أساس الفلك
المصري كان يرتكز في معظمه على النجوم، مما يدل على روح قوة الملاحظة
العملية التي كانت تميز المصري القديم في كل أعماله.
وأخيراً،
فلولا أن الكهنة المصريين قد أحاطوا علومهم بسياج من السرية، وصبغوها
دائماً بالرموز الغامضة، لأمكننا استخلاص الآراء والنظريات العلمية التي
كان لهم السبق فيها، وخصوصاً بعد أن امتزجت حضارة اليونانيين بحضارتهم.
ولقد
لخص الأستاذ "أنتونياوي" ما أخذه اليونانيون عن قدماء المصريين من مبادئ
العلوم في ثلاثين نظرية وطريقة، وأهمها على الإطلاق: نظرية ما يسمونه
"العناصر الأربعة" (الماء، والأرض، والهواء، والنار)؛ والعرف العلمي بأن
شروق الشمس هو وجهها، وشمالها يمينها، وجنوبها يسارها،؛ والبروج النجومية
التي تمر بها الشمس أثناء مسارها الظاهري بين النجوم؛ ونظرية أن الشمس
والقمر والسيارات تتحرك في اتجاه عكسي للحركة اليومية للأجرام السماوية؛
ونظرية أن الشمس والقمر كرويتان؛ وطريقة قياس القطر الزاوي للشمس والقمر؛
ونظرية أن القمر عبارة عن أرض خلاء؛ ونظرية أن القمر مضيءٌ بضوء الشمس.
وهذا بالإضافة إلى سبب ظاهرتي الكسوف والخسوف؛ والتنبؤ بظاهرتي الكسوف
والخسوف؛ وتعيين الأوقات لعطارد والزهرة كنجمي صباح ومساء؛ ورصد الشروق
والغروب الاحتراقي للنجوم، واستخدامها في تعيين طول السنة النجمية؛ وكروية
الأرض، وكونها مركز الكون؛ والقياس المحتمل لقطرها.
دائرة البروج الفلكية بمعبد دندرة (zodiac)
وقد عرف المصري القديم حساب المثلثات، وتفوق في علمي الهندسة والرياضيات، واستفاد من مزج هذه العلوم بمعارفهم الفلكية، والدليل على ذلك قائم حتى الآن، ويعد من عجائب الدنيا السبع، ألا وهو (الهرم الأكبر) الذي يعتبر عملاً من الأعمال الهندسية المعجزة في التاريخ الإنساني.
تعليقات