النظافة الأوروبية وأسباب شهرة العطور الفرنسية
أوروبا الحالية لا علاقة لها إطلاقا بأوروبا العصور الوسطى، أو حتى أوروبا القرن التاسع عشر، والأوروبى الحالى الأنيق والنظيف لا علاقة له أيضا بذلك الأوروبى الذى عاش قبل بضعة قرون، والذى كان يعتقد أن الاغتسال يسبب أضرارا بدنية وصحية، وأن الأطفال الذين يستعملون الماء كثيرا تتعرض أبدانهم للهشاشة، فى تلك الأيام البعيدة، كان أغلب الأوروبيين يغتسلون فى مناسبتين، الاستعداد للزواج، أو فى حالة المرض.
هذه ليست نكتة بل حقيقة صدرت منذ سنوات طويلة فى مذكرات الكاتب ساندور ماراى، الذى ولد فى بداية القرن العشرين فى عائلة بورجوازية ذات أصول نمساوية هنغارية، وأصدر كتابا يؤرخ لتاريخ الوساخة فى أوروبا، بل أيضا لتاريخ الوساخة فى عصره، حين يعترف بأن الاعتقاد الذى كان شائعا فى عائلته الغنية هو أن الاغتسال الكثير يضر بالصحة، فقد كان الأوربيون كريهى الرائحة.
يقول موراى فى كتابه "اعترافات بورجوازى": إن الأوربيين كانوا يعتبرون أن الاستحمام كفرا، ووصف مبعوث روسيا القيصرية ملك فرنسا لويس الرابع عشر بقوله: إن رائحته أقذر من رائحة الحيوان البرى".. وكانت إحدى جواريه تدعى دى مونتيسبام تنقع نفسها فى حوض من العطر حتى لا تشم رائحة الملك.
الروس أنفسهم وصفهم الرحالة أحمد بن فضلان أنهم: "أقذر خلق الله حيث إنهم لم يكونوا يستنجون من بول ولاغائط"، وكان القيصر الروسى (بيتر) يتبول على حائط القصر فى حضور الناس.
يقول العلامة محمد تقى الدين الهلالى المغربى فى ترجمته لكتاب "مدنية المسلمين بإسبانيا" للعالم الأمريكى الشهير جوزيف ماك كيب فى معرض كلامه عن إيزابيلا ملكة قشتالة: الملكة إيزابيلا الأولى التى قتلت المسلمين فى الأندلس لم تستحم فى حياتها إلا مرتين، وقامت بتدمير الحمامات الأندلسية، ومنع الملك فيليب الثانى الإسبانى الاستحمام مطلقا فى بلاده، وابنته إيزابيل الثانية أقسمت أن لا تقوم بتغيير ملابسها الداخلية حتى الانتهاء من حصار إحدى المدن، والذى استمر ثلاث سنوات؛ وماتت بسبب ذلك، هذا عن الملوك، ناهيك عن العامة .
واشتهرت باريس بالعطور الفرنسية والتى كان السبب الرئيسى فى اختراعها أن تذهب الرائحة النتنة الموجودة فى أجسام الناس، والتى كانت هذه القذارة سببا فى تتفشى فيهم الأمراض، وكان مرض الطاعون ينتشر فيهم، حيث حصد نصفهم أو ثلثهم بين فترة وأخرى، وكانت أكبر المدن الأوروبية كـ"باريس" و"لندن" مثلا يصل تعداد سكانها 30 أو 40 ألفا بأقصى التقديرات، بينما كانت المدن الإسلامية تتعدى حاجز المليون،
وكان الهنود الحمر يضعون الورود فى أنوفهم عند لقائهم بالغزاة الأوروبيين بسبب رائحتهم التى لا تطاق .
يقول المؤرخ الفرنسى دريبار: نحن الأوروبيون مدينون للعرب بالحصول على أسباب الرفاهية فى حياتنا العامة، فالمسلمون علمونا كيف نحافظ على نظافة أجسادنا، فإنهم كانوا عكس الأوروبيين الذين لا يغيرون ثيابهم إلا بعد أن تتسخ وتفوح منها روائح كريهة، فقد بدأنا نقلدهم فى خلع ثيابنا وغسلها، وكان المسلمون يلبسون الملابس النظيفة الزاهية حتى أن بعضهم كان يزينها بالأحجار الكريمة كالزمرد والياقوت والمرجان.
إرسال تعليق